يعتبر نهر الفرات مصدرٌ ليس للثروة
المائية والزراعية عبر التاريخ فقط.. بل
هو أيضاً مصدرٌ للثروة السمكية كغذاءٍ
أساس للإنسان، أي مصدر لثروة اقتصادية من
ثروات المنطقة الشرقية، وتستوطن فيه أكثر
من خمسٍ وثلاثين نوعاً من الأسماك ومنها
أنواع نادرة، وقد تعرض بعضٌ منها للفناء
وانقرضت كما انقرضت أنواع عديدة من
الحيوانات البرية في المنطقة بسبب الصيد
الجائر.. هذا عدا الأنواع الدخيلة التي
زرعت فيه.
وقد تعرضت هذه الثروة لأخطار كبيرة
ومتعددة منها تلوث النهر بالصرف الصحي
والزراعي والصناعي لكن أخطرها الصيد
العشوائي والجائر بسبب قلة الوعي والجشع
والفساد وضُعف الأنظمة والقوانين الناظمة
لعملية الصيد والمراقبة والمحاسبة..
وفي هذا الشهر – آذار – تبدأ فترة الإخصاب
للأسماك وتنتهي بشكلها الطبيعي في حزيران.
وهذه الفترة حساسة وخطيرة لتكاثر الثروة
السمكية التي يتوجب حمايتها بإيقاف كافة
أنواع حتى الصيد المرخص..ناهيك بغيره .
ولعل أخطر أنواع الصيد الجائر التي تمارس
بشكل غير قانوني هي الصيد بالكهرباء
والديناميت بأنواعه بما فيه المحلي المصنع
من الأسمدة الزراعية، وكذلك بالمواد
السامة. فهذه الطرق لا تقضي على الأسماك
كبيرها وصغيرها فقط، وإنما لا تبقي ولا
تذر أي كائنٍ حيٍ في النهر أي تهدد الحياة
الفطرية البيئية ناهيك عن خطورتها على
الصيادين أنفسهم.. وكم ممن فقد يده أو
عينه أو سمعه وحتى حياته..!
إنّ شعبة الثروة السمكية بدير الزور التي
تغطي مساحةً كبيرة تمتد لحوالي 200 كم
وبوسائلها المحدودة وإمكانياتها القليلة
بالإضافة لضعف قوانين المحاسبة،غير قادرة
على حماية هذه الثروة من الصيد العشوائي
والجائر، فكيف بتنميتها لتصبح غذاءً في
متناول المواطنين الفقراء لقيمتها
الغذائية الطبيعية والصحية العالية..
والشيء الذي يثير السخرية والغضب أنّ بعض
الموظفين الفاسدين والمرتشين في الشعبة
ذاتها.. يتربصون ويراقبون حركة واتجاهات
دوريات المراقبة والحماية، ويبلغون بها
الصيادين المخالفين عبر الهواتف المحمولة.
وكذلك يتم الصيد العشوائي والجائر أحياناً
كثيرة، تحت سمع وبصر بعض الجهات المسؤولة
دون أن يحركوا ساكناً إذا لم نقل بتواطؤ
أحياناً.. بل إنّ بعض الصيادين المجرمين
معروفون ويتحدون كل الجهات وبكل الوسائل
ولا قوة تردعهم ..
إنّ حماية ثروتنا السمكية في نهر الفرات،
وتنميتها كمصدر اقتصادي للوطن وغذائيٍ
للمواطنين يتطلب جملةً من الإجراءات
العملية وقد جرى التنويه إلى بعضها في
مراتٍ عديدة، لكن لا زالت هذه الثروة
تعاني كغيرها من الثروات الوطنية، بسبب
السياسات الاقتصادية الاجتماعية
الليبرالية التي تتبعها الحكومة
وانعكاساتها السلبية، وما نجم عنها من
فساد كبيرٍ وصغيرٍ.. ومع ذلك نُذكّر
ونطالب بتنفيذها اليوم وبأسرع وقت، ومنها:
1- إصدار قوانين وأنظمة صارمة تحميها
وتنظم عملية الصيد وأوقاتها وتمنعه في
فترات الإخصاب، كضابطة سمكية مماثلةً
للضابطة الحراجية . ودعم العاملين
والشرفاء في الشعبة بتأمين مطالبهم
وحقوقهم .
2- حماية البيئة النهرية من التلوث
بأنواعه لانعكاساته الخطيرة عليها وعلى
الإنسان.
3- حملات توعية عامة لإشراك المواطنين
ومساهمتهم في هذه المهمة عبر أماكن
تواجدهم وفي منظماتهم كالجمعيات الفلاحية
في الريف لتشكيل وعيٍ ورقابةٍ شعبية تقطع
الطريق على الفاسدين والمتهاونين .
4- محاربة الفاسدين الكبار ومحاسبة
المقصرين والفاسدين والمتواطئين ومن
يدعمهم كائناً من كان .
إن حماية الثروة السمكية هي حماية لثروةٍ
اقتصادية مهمة وجزء من أمننا الغذائي
وكذلك حماية لبيئتنا وصحتنا ..لذا هي مهمة
وطنية وواجب لجميع الشرفاء. كما أنها
تساهم في تحقيق كرامة الوطن والمواطن التي
هي فوق كلّ اعتبار. |