أخبار الوطناتصل بنا الرئيسية

05/08/2010

 

الجنـرال اسـتيقظ علـى الخبـر الأسـوأ فـي حياتـه

ملاك عقيل

إتصال هاتفي من أحد قياديّي «التيار الوطني الحر» عند السابعة والنصف من صباح أمس بالرابية أيقظ «الجنرال» على الخبر الأسوأ في حياته. المتحدث على الطرف الآخر من الخط يحاول ضبط نبرته وانتقاء كلماته بعناية «لقد اتصل بي جورج خميس (رئيس فرع مخابرات الجيش في بيروت) وأخبرني ان فرع المعلومات اعتقل العميد فايز كرم بشبهة التعامل مع اسرائيل». «كيف»؟ يردّ عون بنبرة حادة. المتّصل يفرغ ما في جعبته من المعطيات الصباحية القليلة التي توافرت لديه، ويستدرك سريعاً صمت المتلقّي، فيسأل «الجنرال» «هل ما زلت معي على الخط؟». يقفل ميشال عون السمّاعة، ويترك المتصل كما آلاف الشباب من العونيين الملتزمين وغير الملتزمين في حالة صدمة وذهول....
العاشرة صباحاً يصطحب القيادي نفسه زوجة العميد كرم المحامية في الاستئناف هند كعدي الى منزل «الجنرال» في الرابية. الزوجة المنهارة تبحث عمّن يقطع حبل كابوسها الأسود. يغمرها عون بقوة ويقول لها «هذه كارثة كبيرة، لا نعرف الخلفيات بعد، سأجري الاتصالات اللازمة لنستوضح الموضوع». مرّت لحظات ثقيلة قبل ان ينصحها «الجنرال» «بتوكيل محام... لأن القصة كبيرة». كان الأخير قد تبلّغ لتوه من وزير الداخلية زياد بارود ان «العميد كرم اعترف». نصف ساعة أمضتها في الرابية زادت من وهج ضياعها وحزنها. عادت أدراجها خائبة الأمل. اتصالات لا تهدأ على جهازها الخلوي، والعبارات نفسها تتكرّر «نحن معك، ولن نترك العميد... إن شاء لله يعود الينا بريئاً من تهمة العمالة».
في منزل أبو وجيه (يعمل ابنه في باريس) تعمّ حالة من الذهول والخوف من الآتي. الأم والابنة ميرا والعائلة والجيران يحاولون تلمّس طريق الخروج من النفق. كل الأبواب موصدة، لا أحد هنا قادر على حمل الخبر اليقين. ناشطون في «التيار» يتوزعون في أرجاء المنزل، لا تجد العائلة المنكسرة الخاطر من يقف الى جانبها من المسؤولين أو القياديين في «التيار». فقط بعض الشباب، ممّن تربطهم علاقة شخصية وثيقة بـ «الجنرال كرم»، يحاولون من جهة التخفيف من صدمة أفراد العائلة طارحين سيناريوهات «بيضاء» عن «نهاية سعيدة» مفترضة من ضمن احتمالات عدة. من جهة أخرى كان يبحث هؤلاء عن «خبر ما» يثلج قلوبهم التي تغلي كالبركان «إذا ثبتت التهمة... ستحلّ الكارثة».
«ليس مقبولاً أن يكون بيننا عملاء. كيف يمكن ان نصدّق أن من يتعامل مع اسرائيل يدخل بحرية الى منزل العماد عون ويجلس مع أفراد عائلته ويتشاور وينسّق مع أعلى القيادات ويقف على منبر الرابية الى جانب «الجنرال»؟ «كيف يمكن ان نبرّر «اختراق» اسرائيل لـ«تيار» تسري الوطنية في عروقه ودمه، حتى ولو تم اختراقنا بشخص واحد»؟
انطباعات غاضبة ومتمردة بدأت تأخذ ملامحها الجدية في فترة ما بعد ظهر أمس. صباحاً كانت سيناريوهات «التركيبة» و«الفخ» و«المؤامرة» على «التيار الوطني الحر» تأخذ مداها على ألسنة العونيين، ترافقها تساؤلات من نوع «لماذا فرع المعلومات هو الذي قام بعملية المداهمة واعتقال العميد كرم وليس مخابرات الجيش اللبناني؟». «لماذا تمّ تسريب تهمة «التعامل مع اسرائيل» فوراً بعد اعتقال كرم، فيما بقية الموقوفين لم تتسرّب المعطيات بشأنهم إلا بعد أيام؟». و«ما مغزى ان يقوم موقع «القوات اللبنانية» الإلكتروني بالإيحاء قبل يوم واحد من مداهمة منزل العميد، بأن الموقوف ميلاد عيد هو قريب من 8 آذار، وبالتحديد من «التيار الوطني الحر».
أسئلة لا تنتهي بدأ يضيق هامشها تدريجاً عندما حلّت الكارثة فعلاً على «العونيين»، «العميد كرم اعترف خلال التحقيق معه بتعامله مع اسرائيل». منذ الصباح صدر تعميم طال كل مسؤولي «التيار» يمنعهم من التصريح للوسائل الإعلامية. نشرات أخبار تلفزيون «otv» وإذاعة «صوت المدى» النهارية تجاهلت الخبر تماماً. موقع «التيار الوطني الحر» اكتفى خلال ساعات يوم أمس بنشر خبر مقتضب مفاده «يخضع العميد المتقاعد فايز كرم للتحقيق من قبل فرع المعلومات».
لا يعير العونيون اهتماماً لتصريح يطلقه النائب عقاب صقر يقول فيه «إن توقيف قيادي في «التيار» بتهمة العمالة لا يعبّر على وطنيته». عقلهم يلفظ أي نوع من أنواع المؤاساة التي لا يرون فيها، عن ضعف وليس عن قوة، سوى شماتة مبطّنة. يقول أحدهم «لا يمكن، في حال ثبوت التهمة على العميد، تجاهل واقع ان «التيار» قد تلقى طعنة في الظهر من أهل البيت. وأن صورته وهالته قد مسّت في مكان ما. البعض منّا كان ينظر الى كرم كخليفة لميشال عون، بالنظر الى صرامته وشخصيته القوية وتمسكه بالمبادئ الأساسية التي قام عليها «التيار». البعض الآخر يرسم «خارطة طريق» قد تكون قادت «العميد» الى الوقوع في فخ العمالة، «بعد 13 تشرين اقتيد كرم الذي كان نقيباً الى سجن مزة وبقي هناك نحو خمسة أشهر. وبعد إطلاق سراحه اتهم مع عشرة ضباط آخرين بتشكيل خلية متمردة داخل الجيش، اعتقل الضباط فيما تمكن كرم من الفرار الى الشريط الحدودي ودخل اسرائيل، وتوجه بعدها الى باريس... هل يمكن أن تكون القصة قد بدأت من هنا؟».
يوم الاثنين الماضي، كانت المرة الأخيرة التي يدخل فيها العميد كرم قاعة الاجتماعات في منزل «الجنرال» في الرابية. شارك في اجتماع الـ Think Time، على اعتبار أنه واحد من مجموعة «المفكّرين» التي اختيرت من بين قيادات «التيار». طرحت على الطاولة مسائل عدّة من القمة الثلاثية في بعبدا الى الانكشاف الأمني عبر شركات الخلوي، وتداعيات القرار الظني للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ومسلسل انكشاف العملاء...
على الموقع الالكتروني الخاص بفايز كرم، صورة كبيرة له وخلفه العلم اللبناني، إضافة الى سيرته الذاتية. لكن متصفح الموقع لا يستطيع الدخول الى أرشيفه أو الصور أو «آخر الأخبار». وفيما يؤكد عونيون ان كرم لا يشغل أي موقع قيادي في «التيار» حالياً بعدما دعا عون منذ فترة الجميع الى تقديم استقالاتهم تمهيداً للورشة التنظيمية الجديدة، إلا ان مقرّبين منه يؤكدون أن كرم لم يعمد الى تقديم استقالته كما فعل البعض، وهو يشغل حالياً موقع مسؤول «التيار» في منطقة الشمال، وكان يتحضّر جدياً لخوض معركة الانتخابات العام 2013، بعدما وقف سليمان فرنجية له بالمرصاد في انتخابات العام 2009، رافضاً التحاقه بلائحته الثلاثية.
في آذار الماضي أكد فايز كرم في حديث أجرته معه قناة «المنار» «ان التهديدات الاسرائيلية للبنان هي كلام وتهويل، وهي أضعف عسكرياً من أن تشن حرباً». واعتبر أن الاستراتيجية الدفاعية التي يمارسها لبنان حالياً أثبتت نجاحها، وأنه لإقرار استراتيجية يجب الاعتراف بالعدو والإقرار بالدفاع عن الأرض، مشيراً الى ان نجاح المقاومة في الـ2006 هو الذي أوقف الحرب، «ولكن يجب أن يكون لدينا مقاومة على المستوى الوطني، ويجب أن يتهيأ الجميع للدفاع عن الوطن بالإرادة، ويجب أن يكون هناك قناعة ان الجميع يريدون الدفاع عن لبنان».

المصدر:صحيفة السفير اللبنانية  - أية اعادة نشر من دون ذكر المصدر تسبب ملاحقه قانونيه

الرئيسية

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن موقف المرصد السوري