|
بعد
خمسة اعوام على خروج الجيش السوري من
لبنان، يعود ملف العلاقات اللبنانية
السورية الى دائرة المناقشات الداخلية
والاقليمية، في ضوء الانتظار اللبناني
المستمر للقرار الظني المرتقب صدوره عن
المحكمة الدولية.
داخليا، لا يمكن أي طرف لبناني من
المشاركين حاليا في ادارة الحكم، ان يقرأ
أي حدث محلي الا من باب المحكمة الدولية.
ويقول احد الوزراء الفاعلين ان النقاشات
التي تدور في مجلس الوزراء باتت محكومة
بامر وحيد من دون اعلانه، هو انتظار
القرار الظني. ففريق "حزب الله" يغض النظر
ولا يخوض في النقاشات، حتى في اطار تأييد
حلفائه في المعارضة، لان عينه على القرار
الظني. ووزراء الاكثرية لا يشبهون انفسهم
في الحكومة الاخيرة للرئيس فؤاد السنيورة،
وكأن التطبيع الحالي لنقاشات الحكومة
مطلوب في انتظار المتغيرات. وبقدر ما
يرتفع منسوب الخطر من القرار، تصبح الحاجة
ملحة الى طرح ملفات جانبية يمكن ان تكون
عنصر مساومة داخلية، تماما كملف الحقوق
المدنية للفلسطينيين.
اما على مستوى العلاقة بين بيروت ودمشق،
فتبدو الحاجة ملحة الى تأطير هذه العلاقة
وترقّب خطواتها المستجدة، ودائما تحت سقف
المحكمة الدولية. لا يمكن فريق الاكثرية،
وفق مصادر رفيعة فيها، الا ان يرصد بترقب
العلاقة الثنائية بين دمشق وبيروت في ضوء
اتجاهين: تقني بحت يتعلق بدوزنة العلاقات
الثنائية والاتفاقات المعمول بها، وسياسي
يحمل ابعادا اقليمية ودولية لا تنفصل عن
التداعيات التي حصلت منذ اغتيال الرئيس
رفيق الحريري.
على مستوى العلاقة الرسمية المندرجة تحت
اطار الاتفاقات الثنائية ومعاودة قراءتها،
ثمة ارتياح ثابت ومستقر في التعامل مع هذا
الملف، ولا سيما بالنسبة الى مراجعة
الاتفاقات التي بلغ عددها حتى الان 17
اتفاقا ومذكرتي تفاهم، اضافة الى اتفاقين
يناقَشان حاليا، يتعلقان بنقل البضائع
والاشخاص والاعفاءات الضريبية عن المشتقات
الطبية .
وتحت سقف هذا التعاون الرسمي ستكون زيارة
رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق، التي لم
تتلق بعد دوائر رئاسة الحكومة موعدا لها،
من اجل توقيع الاتفاقات الثنائية التي
اعيد النظر فيها واتفق الجانبان على اجراء
تعديلات عليها. وتبدي مصادر وزارية مواكبة
ثقتها بعمل اللجان الثنائية وبمستوى
التعاون والايجابية التي يقابل بها الفريق
اللبناني اثناء مناقشته نظيره السوري او
خلال زيارته دمشق.
تعكس القيادة السورية عبر حرصها على احاطة
الوفد اللبناني بمواكبة اعلامية وسياسية
مدروسة، رغبتها في اظهار مستوى التنسيق
الثنائي وتأكيد رغبة القيادة السورية في
ترجمة مبدأ العلاقات الديبلوماسية عبر
القنوات الرسمية. ورغم ان رئيس الوزراء
السوري محمد ناجي عطري لم يزر لبنان بعد،
وان الحريري يواكب مع فريق عمله كل اعمال
اللجان المختصة التي يطلع عليها رئيس
الجمهورية ميشال سليمان، فإن ثمة رضى
لبنانيا حتى الساعة على ما يمكن اعتباره
اولى خطوات تأكيد ثنائية العلاقة بين
الطرفين.
لكن المستوى التقني للعلاقات التي تبدو
اليوم محصورة باعادة النظر في الاتفاقات،
يواكبه مستوى آخر ذو ابعاد وخلفيات سياسية
له انعكاسات مغايرة. من هنا رصدت دوائر
الاكثرية امس زيارة الرئيس السوري بشار
الاسد للبنان في منتصف الشهر الجاري، من
زاوية اوسع من محاولة تأطيرها وصرفها من
حسابات لبنانية ضيقة لمصلحة طرف دون آخر.
ثمة بُعد آخر للزيارة يتعلق بمحاولة سوريا
تكريس انفصالها عن "حزب الله" عشية القرار
الظني. فسوريا التي اكدت خلال استقبالها
شخصيات لبنانية معارضة اطمئنانها الى خلو
القرار الظني المرتقب بدءا من ايلول من أي
اشارة الى دور لها في اغتيال الرئيس رفيق
الحريري، تبعث عبر زيارة الاسد لبيروت
برسالة أكثر دقة الى العالم الغربي، حول
حرصها على علاقات ثنائية ندية، فتصبح صورة
الاسد في بيروت، في آن واحد، تتمة لزيارة
الحريري لدمشق، ورسالة الى اوروبا وواشنطن
عن رغبة سوريا في تحييد نفسها عن الصراع
الاقليمي وعن أي دور لها في أي توتر تنتجه
المضاعفات الايرانية الاميركية، وكذلك عن
اطمئنانها الى موقعها الجديد في لبنان في
ضوء ارتياحها المسبق الى القرار الظني.
من هنا تعاملت الاكثرية، بحسب مصادر مطلعة
فيها، بروية مع تطورات الجنوب لجهة ما
تعتبره " رسالة ايرانية" وليست سورية في
اتجاه التحذير من القرار الظني
وانعكاساته. لذا جاء تركيز صقور الاكثرية
اخيرا، على "حزب الله" وسلاحه وليس على
سوريا. فالهدنة التي رغب فيها الحريري مع
دمشق باتت سارية المفعول على اكثر حلفائه
تطرفا تجاهها. وفق ذلك يأتي التأكيد ان
استهداف "اليونيفيل" لا صلة له في أي حال
بالرد الايراني التطويقي لمضاعفات
العقوبات على طهران، انما يذهب الرد في
اتجاه آخر يندرج تحت عنوان المحكمة
الدولية، لذلك كانت الرسالة قوية عشية
التجديد للقوة الدولية ومناقشة القرار
1701. وعادة، تمر المناسبة بأقل قدر ممكن
من التشنج، بل بالترحيب بدور القوة
الدولية. الا ان مستوى خطابات مسؤولي "حزب
الله" وحجم الرد يوحيان ان الغاية من
حوادث الجنوب اكثر خطورة محليا.
وتذهب المصادر المطلعة الى وصف ما حصل
بانه رسالة ايرانية فحواها ان ما حصل مع
القوة الدولية هو عينة عما يمكن ان يحدث
في لبنان اذا ما ذكر اسم "حزب الله " في
القرار الظني. فاذا كانت 7 ايار هي التي
كانت وراء تحول النائب وليد جنبلاط عن
الاكثرية، والمتغيرات التي حصلت بالانفتاح
على سوريا واعادة توزيع الحكم على القاعدة
التي ارساها اتفاق الدوحة، فان ما يمكن ان
يؤدي اليه القرار الظني هو اكثر خطورة على
الوضع اللبناني. وما يشهده لبنان اليوم هو
بداية تجميع الاوراق. لكن يبدو ان ثمة
فريقا اسرع واكثر تنظيما من الفريق الآخر
في اعادة ترتيب أوراقه، تماما كما حصل عام
2008. |