ذكرت صحيفة "ذا واشنطن بوست" الأميركية
"إن نظام الرئيس السوري بشار الأسد -بعد
فقدانه الأمل في البقاء- يبدو مصمما على
حفر قبره بنفسه، وذلك برغم أن مسألة قرب
نهايته ليست أمرا مؤكدا، فحركة الاحتجاجات
تزداد شراسة لكنها لم تصل بعد إلى نقطة
حاسمة. ويخشى كثير من السوريين من احتمال
الفوضى وتشرذم بلادهم، ويتمسكون بتأييد
هذا النظام الذي يتصرف كأنه عدو نفسه، حيث
تخلى عن ركائز الدعم الأساسية المتمثلة في
الأغلبية الصامتة التي تشكل قاعدة
اجتماعية من الطبقات الفقيرة، فضلا عن
قواته الأمنية.
وأشارت الصحيفة إلى ما تدعيه السلطات
السورية بأنها في قتال مع عصابات إجرامية
ومتمردين إسلاميين في مؤامرة عالمية ضد
البلاد، مشيرة الى ان هناك شيئا من
الحقيقة في هذه المزاعم، موضحة أن
الجماعات الإجرامية انتشرت في سوريا، كما
أن وراء هذه الانتفاضة تيارا إسلاميا خفيا.
لكن وبعيدا عن توجيه أصابع الاتهام لأعداء
النظام، فإن هذه الإحداث ماهي إلا نتاج
عقود طويلة من سوء الإدارة من الناحية
الاقتصادية والاجتماعية، ومعظم الاشتباكات
الدموية وقعت على المناطق الحدودية حيث
ازدهرت شبكات التهريب نتيجة لتواطئ قوات
الأمن الفاسدة. وفي الوقت نفسه، يعكس صعود
التيار الأصولي الديني تقصيرا تدريجيا من
الدولة في مناطق كانت ملاذا لحزب البعث.
وأضافت الصحيفة أنه في أحيان كثيرة شن
النظام السوري حربا ضد دوائره الاجتماعية
الأصلية، موضحة أنه عندما جاء حافظ الأسد
إلى السلطة كان نظامه الذي سيطر عليه
أعضاء من العلويين الإسلاميين هو تجسيد
للريف المهمل بفلاحيه وطبقاته الدنيا
الكادحة والفقيرة، مشيرة الى أن الآن نست
هذه النخبة الحاكمة جذورها الريفية بعد أن
ورث أعضاؤها السلطة بدلا من أن يكافحوا
للوصول إليها، ونشؤوا في دمشق حيث قلدوا
الطبقات العليا التي تسكن المناطق الحضرية،
لافتة الى أنهم قادوا عملية لتحرير
الاقتصاد جاءت على حساب الأقاليم التي
نشؤوا منها.
وأوضحت الصحيفة أنه برغم أن بعض
المتظاهرين انتهجوا سلوكا عدوانيا وطائفيا
في هذه التظاهرات، لكن بالنظر إلى دموية
وعنف أجهزة الأمن التابعة للعلويين -التي
شملت عمليات اعتقال واسعة وحالات التعذيب
والعقاب الجماعي التي ذكرت مرارا منذ
اندلاع هذه الانتفاضة- فإن ما يثير الدهشة
هو تحلي رد الفعل الشعبي بشيء من ضبط
النفس، ونجح المتظاهرون الشباب في تسليط
الضوء على ذلك من خلال نشر لقطات ساخرة
على الإنترنت يظهرون فيها كأنهم إرهابيون
مسلحون بـ "قنابل الباذنجان" وقاذفات
صواريخ بدائية تطلق "الخيار".
وذكرت الصحيفة ان النظام السوري يأمل في
الاعتماد على "الأغلبية الصامتة"،
فالأقليات -ولا سيما العلويين والمسيحيين-
قلقون بشأن احتمال سيطرة الإسلاميين
والطبقة الوسطى. كما يعول النظام على "غريزة
البقاء الطائفية"، فهو على ثقة بأن قوات
العلويين -برغم أنهم لا يتقاضون أجورا
كبيرة ويعملون فوق طاقاتهم- سيقاتلون حتى
الرمق الأخير، في حين ستجد الأغلبية صعوبة
في القيام بذلك.
ورأت الصحيفة أنه بعد أعمال العنف الطائشة،
فإن غرائز البقاء الطائفية التي راهن
عليها النظام قد تدفع قواته إلى الاتجاه
الآخر، مشيرة الى أن العلويين الذين عانوا
قرونا من التمييز والاضطهاد من الأغلبية
السنية يرون في قراهم الريفية الملاذ
الحقيقي الوحيد، ومن غير المرجح أن يجدوا
الأمان في العاصمة التي يشعرون فيها بأنهم
ضيوف يحميهم نظام الأسد الذي اعتبروه حالة
استثنائية في التاريخ، وعندما يشعرون بقرب
النهاية فلن يقاتل العلويون حتى آخر رجل
في العاصمة، بل سيعودون إلى بيوتهم.
واختتمت الصحيفة بالقول إن النظام السوري
لا يزال يلقى تأييدا من مواطنين يشعرون
بالخوف من المستقبل المجهول، كما تخشى
الأجهزة الأمنية أيضا من انهيار النظام،
وحتى الآن من الصعب تقدير ما إذا كانت
الغالبية من السوريين يرغبون في إسقاط
النظام. لكن اللافت أن الأغلبية داخل
النظام نفسه يتصرفون بشكل يعجل من زواله
ونهايته. |