يبعث حق النقض (الفيتو) الذي استخدمته
روسيا في مجلس الامن التابع للامم المتحدة
ضد مشروع قرار يندد بالحملة التي تشنها
سوريا على الاحتجاجات بتحذير مفاده أن
موسكو لن تقبل املاءات حين ترى تهديدا
لمصالحها من الولايات المتحدة واوروبا.
ويشير هذا الى أن رئيس الوزراء الروسي
فلاديمير بوتين الذي يعتزم الترشح لرئاسة
روسيا مجددا في الانتخابات التي تجري في
مارس اذار 2012 لن يسمح بالتدخل الغربي في
دولة سيقودها لاكثر من عشر سنوات قادمة.
وتبنت الصين نفس موقف روسيا التي استخدمت
حق النقض في حدث نادر لمنع استصدار قرار
كان سيفتح احتمال فرض عقوبات من الامم
المتحدة على حكومة الرئيس السوري بشار
الاسد.
وكان دافع هذه الخطوة جزئيا رغبة روسيا في
الحفاظ على موطيء قدم في منطقة تقلص فيها
نفوذها منذ الحرب الباردة وتواجه مزيدا من
التحديات في ظل سقوط عدة حكومات على مدى
عدة اشهر من الاضطرابات.
لكن استخدام الفيتو لا يتعلق بسوريا نفسها
بقدر ما يتعلق بمعارضة روسيا للجهود
الغربية لتشجيع التغيير السياسي في الخارج
وكان ذلك مصدر ازعاج لبوتين خلال رئاسته
التي استمرت من عام 2000 الى 2008 ومثار
قلق جديدا فيما يستعد لست سنوات أو أكثر
من رئاسة البلاد.
وتقول ليليا شفتسوفا الكاتبة والخبيرة في
مركز كارنيجي موسكو "روسيا لا تريد ان
تخسر وضعها الاقتصادي بالكامل في سوريا...
لكن الشيء الاساسي هو أن روسيا لا تريد
دعم أي اتجاه قد يؤدي الى تغيير النظام في
سوريا ويصبح مثالا للدول الاخرى."
وأضافت أن الرسالة للغرب كانت واضحة "لا
تتدخلوا. لدينا مبادئنا ولا نحتاج الى اي
تدخل."
وأعلنت روسيا بوضوح معارضتها لاي قرار
تقريبا يندد بالاسد مما يجعل سوريا خطا
أحمر بعد أن سمحت بغارات حلف شمال الاطلسي
على ليبيا بامتناعها عن استخدام الفيتو في
تصويت لمجلس الامن في مارس اذار الماضي.
واتهمت روسيا الحلف بتجاوز المنصوص عليه
في تفويضه بحماية المدنيين والانحياز
للمعارضة المسلحة التي أسقطت الزعيم
الليبي السابق معمر القذافي
وفي واحد من أعنف انتقاداته للغرب منذ ان
كان رئيسا قارن بوتين بين قرار ليبيا
و"الدعوات لشن حروب صليبية في العصور
الوسطى" مما دفع الرئيس ديمتري ميدفيديف
الى توجيه اللوم له.
وفي ابريل نيسان خلال مؤتمر صحفي في
كوبنهاجن قال بوتين غاضبا ان حكم القذافي
السيء لا يبرر استهداف الاطاحة به او
تصفيته بالاستعانة بقوة عسكرية.
ويمثل الفيتو الروسي تكرارا لرسالة دأب
بوتين على توصيلها حين كان رئيسا واتهم
الغرب وخاصة الولايات المتحدة مرارا
بالتدخل في شؤون الدول ذات السيادة والسعي
الى اضعاف روسيا.
ويقول محللون ان قلق الكرملين حيال تغيير
القيادة يرجع الى مخاوف بشأن مسائل تتعلق
بشرعيته والحذر من أن يضخم قرار بوتين
الترشح للرئاسة مرة أخرى هذا الشعور بين
الروس.
ومن غير المرجح أن يكون الفيتو على قرار
سوريا ايذانا بتغير كبير في السياسة
الخارجية الروسية خلال فترة الرئاسة
الجديدة لبوتين الذي يتوقع أن يفوز بولاية
مدتها ستة أعوام في مارس وذلك لقلة أدوات
النفوذ التي تمتلكها موسكو.
ويقول فيودور لوكيانوف رئيس تحرير دورية (روسيا
في الشؤون العالمية) "في المجمل كانت
السياسة سياسة رد فعل وستظل رد فعل. كيفية
تعامل الاخرين في العلاقات مع روسيا ستحدد
كيفية تصرف روسيا."
لكن هذا قد يذكي التوتر مع الغرب حيث عمق
قرار بوتين العودة الى الكرملين الشكوك
بشأن التزامه بانشاء مؤسسات دائمة للحكم
الديمقراطي في دولة لها تاريخ طويل في حكم
الرجل الواحد.
وقد يصبح بوتين (58 عاما) رئيسا لروسيا
حتى عام 2024 اذا فاز بولايتين رئاسيتين
متعاقبتين.
وعلى الرغم من أنه مازال يتمتع بشعبية
واسعة النطاق فان قراره تبادل المناصب مع
ميدفيديف الذي كشف النقاب عنه الشهر
الماضي بعد سنوات من الاشارات المتضاربة
حول من منهما سيترشح للرئاسة في مارس زاد
من حجم شكاوى المواطنين الروس من أنهم لا
يلعبون دورا يذكر في السياسة وأذكى
المقارنات "بحقبة الركود" في عهد الزعيم
السوفيتي ليونيد بريجنيف.
وقالت شفتسوفا من مركز كارنيجي موسكو "اذا
ازدادت روسيا ركودا تحت حكم بوتين واذا
خسرت استقرارها الداخلي فان من الطبيعي أن
تكون السلطات اكثر قلقا بشأن أي تغييرات
في روسيا أو أي دول أخرى. |