ثلاث
قصص مختلفة لثلاثة مواطنين التقوا في
محافظة دمشق يبكون ويندبون سوء طالعهم،
حتى أطلق بعض مديري محافظة دمشق على كل من
(أكرم عواطة، ووليد حبيب، وعبدالله
الرفاعي) لقب «الثلاثي المرح».
هذا اللقب لا يعكس واقعهم، الذي لا يمتّ
للفرح أو البهجة بصلة، إلا من باب التندر
ربما. فهذا الثلاثي لم يدّخر جهداً، .
إلى الآن، في ملاحقة أموره، حتى بات
ثلاثياً معروفاً لدى كل مكاتب المحافظة
(وموظفيها)، حيث ألفت أروقتها وجدرانها
وجوههم وأشكالهم، كما لو كانوا موظفين
فعليين فيها. فقليلة هي الأيام التي
لايذهب فيها الثلاثة إلى المحافظة لمراجعة
آخر المستجدات في تفاصيل قضاياهم، ومواجهة
كلّ ما بإمكانهم استعادته أو تغييره بشأن
وضعهم أو دعاواهم التي وصلت إلى أكثر من
30 دعوى، رغم أن الثلاثي لم يطالب بأكثر
من أحد خيارين: إما إعطاء محافظة دمشق
حقوقهم المشروعة والاعتراف بها دون
الالتفاف على القوانين، أو معاقبتهم على
جرم إضاعة وقت السلطات المحلية على حساب
بقية المواطنين إذا لم تأت بنتيجة، على
الرغم من تأكيدهم أنَّ وقتهم هو الذي ضاع
في زحمة ملاحقة الأوراق والسعي وراء
الحقوق المتبددة.. عدا عن التكاليف
المادية التي تكبدوها والتي وصلت بأحدهم
إلى أن باع منزله لتغطية نفقات دعاويه
التي رفعها، فضلاً عن الأزمات النفسية
التي أصبحت رفيق دربهم الثقيل.
منشأة تهدم.. وأسرة تشرد
(عبد الله الرفاعي) لم يدع وسيلة تعتب
عليه لإثبات حقه والتحقيق في استغلال مدير
الشؤون القانونية السابق (ح.ع) عمله قبل
نقله إلى مديرية الخدمات الفنية في دمشق
واستلامه مبالغ مالية من عبدالله الرفاعي
وصل مجموعها إلى 650 ألف ليرة، مقابل وقف
العمل بقرار محافظ دمشق المتضمن إخلاء
منطقة بساتين أبو جرش من الإشغالات إلى
حين التنفيذ الفعلي لغاية الاستملاك،
وسعيه بعد أن امتنع الرفاعي عن دفع باقي
المبلغ المتفق عليه بينهما، وقدره 700 ألف
ليرة، إلى تنفيذ القرار.
إلا أنَّ السحر انقلب على الساحر (الرفاعي)
عندما عبّر، بإلحاحه الدائم، عن تحصيل
حقّه من المحافظة؛ بأنه شخص «شكوجي». وهو
في الواقع ينطبق عليه مثل «صاحب الحاجة
أرعن»؛ حيث قامت آليات المحافظة، فيما
بعد، بهدم بيته ومنشأته واستباحت ما
فيهما، دون غيرها من بيوت ومنشآت المنطقة
المستملكة ذاتها. ودليل ذلك أنَّ هناك
منشآت، بجانب منزله، أنشأ أصحابها فيها
متنزهات ومنشآت صناعية ومشاتل مزروعات،
ولم تهدمها أو تقربها المحافظة حتى
تاريخه.
المنشأة، التي هدمتها المحافظة، كانت
لتصنيع وإصلاح الصناديق الخشبية ومعها
مشتل زراعي، فاستبدلها وحصل على ترخيص
إداري لمزاولة مهنة مطعم وكافيتريا ومعمل
للموبيليا المعدنية بدلاً من التجارة
السابقة. وأخذ تصريحاً يسمح له بذلك،
وتعهّد مراراً وتكراراً استعداده لإخلاء
منشأته شرط تطبيق القوانين على جميع
القاطنين في هذه المنطقة.
قضية تسريح حارّة
وذهب ضحية قضية الرفاعي تسريحُ مدير
الشؤون القانونية السابق في المحافظة (ح –
ع)، وفقاً للمادتين 353 و336 من قانون
العقوبات العام في القرار رقم 1381، بجرم
القيام بعمل ينافي واجبات وظيفته بقصد
الإضرار بالغير. وبدوره دافع المدير
السابق (ح – ع) عن نفسه بأنَّ الفعل
المنسوب إليه، وفقاً لقرار قاضي التحقيق
الأول في دمشق رقم 92 تاريخ 14/11/2009
يتمثّل في وقف العمل بقرار محافظ دمشق
المتضمن إخلاء منطقة بساتين أبو جرش من
الإشغالات إلى حين التنفيذ الفعلي لغاية
الاستملاك، على الرغم من أنَّ إخلاء
المناطق الاستملاكية والتنظيمية يخرج
بالمطلق عن نطاق عمل الموكل واختصاصه
وصلاحيته ويعود إلى دائرة الاستملاك
والتوزيع التابعة إلى مديرية التنظيم
والتخطيط العمراني، والتي يحكم عملها نصوص
قانون الاستملاك رقم 20 للعام 1983، والتي
يعود إليها حصراً تنفيذ الإخلاء (بتوجيه
الإنذارات المتوجبة وإعداد الدراسة وضبط
التحقيق)، في حين طبيعة عمل مدير القضايا
القانونية تنحصر في متابعة الدعاوى
القضائية المقامة من قبل المحافظة أو
بمواجهتها، أو بإبداء الرأي والفتوى
القانونية لمديريات ودوائر المحافظة
المختلفة بناءً على طلبها.
ومنطقة البارك الشرقي، التي حدث الخلاف
عليها ومازال، مستملكة، حسب دائرة
الاستملاك، لمصلحة المحافظة بالمرسوم
الاستملاكي رقم 678 منذ العام 1975. إلا
أنه بسبب عدم توافر السيولة المالية لدى
محافظة مدينة دمشق، لم يسدّد بدل
الاستملاك إلا للمالك الذي حصل على حكم
قضائي مبرم بصرف بدل استملاك عقاره. ثم
نتيجة سعي محافظة دمشق، لدى رئاسة مجلس
الوزراء، تمَّ تأمين المبالغ اللازمة
ليتمَّ صرفها تباعاً لمن ينجز معاملة صرف
بدل الاستملاك أصولاً. وكان واحداً منها
العقار 2684 أبو جرش، الذي شغل جزءاً منه
محمد الرفاعي، وتمَّ إيداع استملاكه في
العام 2004، وتمَّ فراغه للأملاك العامة
في نفس العام. والمدير السابق للشؤون
القانونية لم يوفر جهداً، على حدّ قوله،
في متابعة جملة الدعاوى القضائية المقدمة،
بمواجهة المحافظة من قبل المشتكي محمد
الرفاعي، وصولاً إلى حسمها لمصلحة محافظة
دمشق (مع العلم بأنَّ الأحكام التي صدرت
في هذا السياق كانت لمصلحة (الرفاعي)، برد
طلب تسليم المنشأة والمنزل للمحافظة).
وكان (ح –ع) مدير الشؤون القانونية في
المحافظة تعرَّض للتحقيق عندما كان يشغل
منصب مدير الشؤون القانونية، وصدر قرار
تسريحه إثر التحقيق بتهمة الإضرار بالغير
والتأخر في تنفيذ الاستملاك، علماً بأنَّ
المدير الحالي زهير سلامة تبلّغ في العام
2009 الأحكام القضائية الصادرة عن رئيس
التنفيذ، وهي محصنة من قبل محكمة
الاستئناف الناظرة في الدعاوى التنفيذية
والمتضمنة، من حيث النتيجة، إعادة الحال
إلى ماكان عليه في منشأة الرفاعي قبل
إقامة الدعوى بالنسبة إلى القرار المطروح
للتنفيذ. وردَّ طلب المحافظة تسليم جزء
العقار الذي يشغله الرفاعي.. وحتى تاريخه
لم ينفذ الحكم. وهو دفاع يضع الأمر ضمن
حلقة مفرغة ضائعة البرهان. فلو صدر حكم
الاستملاك بحقّ مالك العقار المؤجر
لعبدالله الرفاعي، والذي، بحسب زهير سلامة
المدير الحالي للشؤون القانونية ارتكب
مخالفات كثيرة؛ ولو كان المدير السابق قد
قام بواجبات وظيفته على أكمل وجه، كما
أوضح، ووفق الأصول ودون أيّ مماطلة أو
تأخير ودون طلب أيّ منفعة مادية.. فلماذا
صدر قرار تسريحه من الخدمة إذاً؟!..
عذر أقبح من ذنب
مدير الشؤون القانونية في محافظة دمشق
أكد، بخصوص قضية المدعو عبدالله الرفاعي،
أنَّ استلامه للشؤون القانونية في
المحافظة ومباشرته العمل فيها، كان في
الـ19 من آب من العام 2009، بينما كان هدم
منشأته في اليوم الذي سبقه. وهو طبيعي
بالنسبة إلى أرض مستملكة. ولكن يبقى
السؤال الذي استفزّ عبدالله الرفاعي هو:
لماذا هدمت منشأته هو دون غيره؟!..
يجيب سلامة: الرفاعي ارتكب مخالفات كثيرة،
منها التوسع وتغيير خصائص البناء. وهو ما
فتح العين عليه أكثر من غيره من المستملكة
أراضيهم.
واختصر الكلام عن الرفاعي بأنه بعد فشله
في القضاء الفشل الذريع، أقام دعاويه
بالضغط على معظم الأطراف، إلى أن لجأ إلى
الصحافة وغيرها من الجهات بنوع من التخبط
والملاحقة، على الرغم من تأكيده أنَّ
الأمر احتاج منه إلى الوقت والنضال
الطويل. فبعد حصوله على أحكام قضائية قضت
بتسليمه العقار من جديد، جاءت المحافظة،
بشكل انتقامي، لتزيل كامل المنشأة عن بكرة
أبيها دون سابق إنذار. وأضاف سلامة:
الدعوى مازالت منظورة أمام القضاء، تطالب
بالتعويض عن الخسائر الفادحة التي لحقت
بالمدعو الرفاعي، والتي وصلت إلى نحو
خمسين مليون ليرة على حدّ قول الرفاعي.
وتحفَّظ سلامة عن الخوض في تفاصيل الدعوى،
مدّعياً وجود وثائق بحوزته تنكر صحة ما
ذكره وما أتى به الرفاعي من وثائق وكتب،
مبيّناً أنَّ إظهارها بوجه الصحافة سيكون
بحاجة إلى طلب خطي من المكتب الصحفي في
المحافظة، والذي بدوره ماطلَ في تسيير
الطلب.
رخصة مزورة باعتراف المحافظة... ولكن ؟!
أوضح وليد حبيب أنَّ رخصة المصعد، الذي
بُني في العمارة التي يملك قبواً فيها في
الطلياني، مخالفة لكل القوانين في العالم،
كما أنَّ الرخصة رقم 212 للعام 2005، التي
منحت لإنشائه، مخالفةٌ للقرار 1895 للعام
2002 الناظم لإنشاء كل المصاعد في سورية،
والذي يشترط عدم إلحاق الضرر بأملاك
الآخرين وفقاً للمادة 812 من القانون
المدني السوري.
يُذكر أنَّ المحافظة كانت شكّلت لجنة
مكونة من 10 مهندسين من ملاكها أفادوا
بأنَّ الرخصة مطابقة لهذا القرار، (مع عدم
مطابقته فعلياً)، في حين إنَّ مهندساً
واحداً فقط من مكتب الدراسات في المحافظة
أفاد، في تقرير لاحق له، بأنَّ رخصة
المصعد هي خلاف القرار 1895، ولم يجر
تنفيذ المصعد وفقاً للرخصة ومصوراتها، كما
ارتكب الغش والتزوير في الحصول على الرخصة
بتزوير المصورات والثبوتيات المقدمة،
علاوة على ارتكاب التزوير حيال تواقيع
الأشخاص المطلوب تواقيعهم، والتدليس في
الكشوفات على العقار باعتراف مدير الشؤون
القانونية. ولهذا السبب، ختم المصعد مدة
سنة ونصف، إلى أن قامت مديرية التخطيط
والتنظيم العمراني بتزوير فحوى كتاب وزير
الإدارة المحلية، حيث نسب أمر الموافقة
إلى وزير الإدارة المحلية، مع العلم بأنَّ
ذلك ليس صحيحاً، وهو ليس من صلاحيات
المحافظ أو الوزير بل من مهام اللجان
المشكلة، ثم أوعزوا لدوائر الخدمات بإكمال
المصعد، مع علم جميع موظفي المحافظة بأنَّ
القضية منظورة أمام القضاء الذي هو السلطة
العليا، ليكون الردّ فيما بعد مؤجلاً إلى
حين صدور الحكم، الذي يحتاج، بحسب حبيب،
إلى سنوات طويلة، استغلَّ ساكنو العمارة
هذه المدة في استعمال المصعد منذ عامين.
وتضرر حبيب من جراء إنشائه؛ إذ أغلق
المصعد النافذة الوحيدة لمطبخ منزله، مع
العلم بأنَّ الخبرتين المشكلتين من قبل
القضاء الإداري أجمعتا على أنَّ هناك
ضرراً لحقَ بمنزل المدعو وليد حبيب.
تهدم الغرف فوق رؤوس النزلاء ..
يُذكر أنَّ ورشات الهدم التابعة لمحافظة
دمشق، قامت مؤخراً بهدم حمامات فندق غازي
الكبير التابع لوزارة الأوقاف، بحجة أنَّ
بناء الحمامات مخالف، على الرغم من أنه
سُمح لمستثمر الفندق، بموجب العقد المنظم
بينه وبين مديرية أوقاف دمشق، بتنفيذ
الترميم والإصلاح، بما في ذلك بناء
الحمامات داخل الغرف. لكن الذي يعتبر
سابقة أنَّ الهدم تمَّ والنزلاء نائمون في
غرفهم، حيث هُدمت الجدران والمغاسل
أمامهم، ثم تمَّ تجميعهم بعدها في غرفة
واحدة؛ ما سبَّب لهم الهلع والخوف جراء
هذا التصرف المفاجئ، الذي نتج عنه هدم
حمامات 19غرفة في الفندق بعد توجيه عدة
إنذارات وتدخلات عديدة من أكثر من جهة؛ ما
وضع الجميع في موضع التساؤل والحيرة عن
الأسباب التي دفعت المحافظة إلى الهدم دون
سابق إنذار.. وبأيّ حق، مادامت الرخصة
ومخططات الفندق، بما فيها الحمامات،
نظامية؟!..
كلمة حق.. ولكن!!
القضية الثالثة، التي أثارت جدلاً كبيراً
في المحافظة، هي مشكلة المدعو أكرم عواطة،
الذي يتاجر بالعقارات؛ حيث بدأت هذه
المشكلة مع رئيس دائرة الإسكان سمير
كلثوم، عندما اشترى إنذار أحد إخلاءات
المنازل لمصلحة زوجته، من أحد الأشخاص،
وكان الشراء عن طريق القضاء، فأخذ الحكم
القضائي المبرم تثبيتاً لذلك الشراء.
المعني (عواطة) أخذ الحكم إلى المحافظة،
بناءً على قرار تنفيذي من رئيس دائرة
التنفيذ للمحافظة بضرورة التنفيذ؛ وذلك في
العام 2008. وأوعز مدير القضايا إلى دائرة
الإسكان بوجوب تنفيذ الحكم القضائي
لاستصدار قرار من المكتب التنفيذي في هذا
الصدد.
إلا أنَّ المدعو سمير كلثوم (رئيس دائرة
الإسكان) لم يقم بأداء واجبه الوظيفي
بإعداد مذكرة عرض تتضمَّن الموافقة من
المكتب التنفيذي على تنفيذ الحكم المشار
إليه. وتقدّم المواطن عواطة بشكوى إلى
السيد المحافظ بحقّ المشكو كلثوم للسبب
نفسه. ووجّه بدوره المحافظ مدير القضايا
الحالي لمعالجة الموضوع وفقاً للأصول
والنص القانوني. وقام سلامة بإعداد مذكرة
منطبقة وفقاً للأصول والنص القانوني،
متضمنة، من حيث النتيجة، وجوب تنفيذ الحكم
السالف الذكر والمقترن بقرار الرئيس
التنفيذي، لتنفيذه من قبل مديرية القضايا
في المحافظة.. إضافة إلى صدور القرار رقم
2025/ش/4 من وزير الإدارة إلى محافظة
دمشق، بوجوب تنفيذ الحكم لمصلح عواطة.
وبعد نشوب خلاف شخصي بين مدير القضايا
الحالي وبين عواطة، قام مدير القضايا
بإعداد مذكرة ثانية مخالفة ومناقضة
للمذكرة الأولى. وبخلاف الأصول والقانون،
حرم بموجبها المواطن أكرم من الحصول على
حقه الشرعي، علماً بأنَّ الحكم مودع في
دائرة الإسكان من 2008. وبناءً عليه، أقام
عواطة دعوى أمام قاضي التحقيق بحقّ مدير
القضايا الحالي ورئيس دائرة الاستملاك
ومدير التخطيط والتنظيم العمراني، بجرم
القيام بأعمال مخالفة لوظيفته، والهدف
منها إلحاق الضرر بعواطة وتحقيق المنفعة
للشخص الآخر.
وبناء على توجيهات المحافظ، صدر قرار
المكتب التنفيذي بإحالة الموضوع إلى
مديرية الرقابة الداخلية للتدقيق في
الأخطار الجسيمة التي أدَّت إلى تقديم
دعوى جزائية بحقّ عدد من موظفي المحافظة
في موضوع الحكم القضائي الصادر لمصلحة
أكرم عواطة في القرار رقم 37759/ص/5أ، من
مبدأ احترام المحافظ أحكامَ الدستور
والأحكام القضائية واجبة التنفيذ.
ومازالت، حتى تاريخه، القضية معلقة، ورفض
مدير القضايا الإدلاء بأيّ تصريح، بحجة
أنَّ الأحكام الصادرة في هذه الدعوى ليست
بمواجهة المحافظة |