أينما
وليت وجهك، هناك منتحر شاب ينهى حياته أو
شابة تحرق نفسها، أو رب عائلة يعجز عن
تدبير نفقاته أو يكره حياته، ومع أننا نرى
ونسمع ونقرأ عن هذه الحوادث يومياً فإن
عمرو موسى الذى شنق نفسه على كوبرى قصر
النيل، أعاد من جديد نقاش الانتحار، الذى
يرى البعض أنه زاد عن حده، مع أنه يحدث
يومياً، ويبدو زائدا لأن الإعلام ينشر
ويتابع، فإذا نظرنا لما يجرى فسنجد زيادة
أخبار من يقتلون فى الخارج، وجرائم القتل
العائلى والاغتصاب وزنى المحارم.
لكن عمرو أعاد النقاش عن المنتحرين واختار
المكان والطريقة التى يموت بها ويظل
عالقاً بالأذهان، والكاميرات. جرت العادة
أن المنتحر من على كوبرى قصر النيل يقفز
ليغرق، لكن عمرو شنق نفسه، وترك خطابا
لحبيبته ويبدو أنه استعد جيداً وأصر على
إنهاء حياته بلا أى رجعة. أحب عمرو أن يظل
فى الذاكرة، ولا يعرف أن الذاكرة
والكاميرا، لا تبقى كثيراً أمام المآسى
وأنه هو وغيره، موضوع للمناقشة، وفرصة
ليصدر الشيوخ فتاوى بتكفير المنتحر، ويعيد
علماء الاجتماع انتقاد المجتمع وتفككه،
والسياسيون ليتحدثوا عن فشل النظام
والحكومة. قليل من يتوقف ليتأمل ملامح
الشاب الذى قرر إنهاء حياته ويبحث له عن
العذر. فقط نتعامل معه كموضوع لانتقاد
سياسى أو اجتماعى أو دينى، دون أن نتوقف
عنده، أو غيره من المنتحرين.
عمرو كان واحداً من مواطنين انتحروا
الأسبوع الماضى، ومن بين عشرات ينهون
حياتهم كمداً أو مللاً أو قنوطاً، لكنهم
يظلون مواطنين، يحصل كل منهم على دقائق فى
عالم التوك شو، ومصمصات وهمهمات.
أسباب الانتحار تختلف من دولة عربية إلى
أخرى، ففى مصر نجد الفقر سبباً أساسياً،
خلال العامين الماضيين انتحر آباء عجزوا
عن تدبير مصروفات العيد أو الدراسة
لأبنائهم، أو بسبب الخلافات العائلية،
بينما فى الخليج لا يكون الفقر سببا، بل
أحياناً يكون الثراء.
هذا عن انتحار المواطنين، أما المسؤولون
فلم نعرف مسؤولاً أقدم على الانتحار، أو
حتى على الاعتراف بخطأ أو مسؤولية عن
كارثة. ومنذ الإعلان عن انتحار المشير عبد
الحكيم عامر بعد هزيمة يونيو، لم نسمع عن
مسؤول انتحر فى مصر، وحتى انتحار المشير
يحيطه الشك، والتساؤلات عما إذا كان انتحر
أو «نحر».
فى سوريا قبل خمسة أعوام أعلنت السلطات
السورية عن انتحار غازى كنعان رئيس شعبة
المخابرات السورية فى لبنان الذى كان حاكم
لبنان الفعلى من 1982 حتى ما بعد 2001،
ووزير الداخلية فى سوريا من أكتوبر 2003
حتى انتحاره فى أكتوبر 2005. قالوا إنه
انتحر، لكن انتحاره جاء بعد ورود اسمه فى
قضية اغتيال رفيق الحريرى، الرجل الذى كان
يعرف أكثر ينتحر أو يجب أن يموت. وقبل
سنوات أعلنت الأنباء عن انتحار رئيس
الوزراء السورى الأسبق محمود الزعبى بعد
إقالته ضمن حملة إعلامية ضد الفساد.
المسؤول عندنا لا ينتحر هربا من العار،
مثلما يفعل اليابانيون على طريقة
الساموراى، لا ينتحر ولا يستقيل ولا يعترف
بالمسؤولية، لا أحد يصدق المسؤولين حتى
إذا ماتوا، ويبقى المواطنون فقط قابلين
للانتحار. |