تتوقف مصادر سياسية عند
تصريحات ايرانية أطلقت الاسبوع المنصرم
بعد أيام على القمة الثلاثية السعودية -
السورية - اللبنانية التي عقدت في قصر
بعبدا، وقد عزتها الى غياب ايران أو
تغييبها عنها، وهي المعنية بالوضع في
لبنان الذي كان محور هذه القمة اقله من
خلال الملفين اللذين تطرقت اليهما المواقف
الايرانية. فقد اعتبر مستشار المرشد
الاعلى للثورة الاسلامية علي أكبر ولايتي
"ان المحكمة الخاصة بلبنان أصبحت أداة بيد
اميركا واسرائيل وان دعمنا قوي للمقاومة"،
فيما قال ممثل المرشد علي خامنئي في الحرس
الثوري علي سعيدي "ان لبنان اليوم وفلسطين
والعراق تمثل خط المواجهة الامامي لايران
أمام أعدائها"، الامر الذي يعني ان لدى
ايران ما تقوله في الشأنين في حال كانت
القمة الثلاثية لرعاية الاستقرار الداخلي
في لبنان. وقد لفتت هذه المصادر الى غياب
أي زيارة لمسؤول ايراني كبير لدمشق في
الاسبوع الذي تلا القمة الثلاثية في بيروت
في حين فسر اصطحاب الملك السعودي عبدالله
بن عبد العزيز الرئيس السوري بشار الاسد
معه في طائرته الخاصة الى لبنان ان
المملكة العربية السعودية تفضل الى حد
بعيد عودة الرعاية السورية للبنان، وربما
تكليفها عربياً هذا الامر على الاحتمالات
التي حددها الامين العام لـ"حزب الله"
السيد حسن نصرالله في بداية حملته على
المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة
اغتيال الرئيس رفيق الحريري. هذه الرعاية
تفيد ان مسؤولية استقرار الوضع الداخلي
بات من مسؤولية سوريا بعدما سحبت من يد "حزب
الله" ادارة الصراع في لبنان وعلى ما فعل
منذ انسحاب القوات السورية من لبنان في 26
نيسان 2006 وباتت تتولى بنفسها، وليس
بالواسطة، ادارة ما يسمى الاستقرار الحالي
فيه بكل ما يعني ذلك من وجوب تكيف ايران
ومعها "حزب الله" مع هذا المعطى الجديد
وخصوصاً متى كان أحد أبرز الاهداف المبررة
لذلك اقليمياً ودولياً العمل على ابعاد
سوريا عن ايران. وفي المقابل تتردد معطيات
تفيد ان الباب الذي فتح أمام سوريا للعودة
بشرعية عربية للدخول على الواقع اللبناني
تمليه سياسة خارجية سورية قائمة فقط على
المصالح الداخلية للنظام السوري. والعودة
الى لبنان من الباب العربي، وان لم يكن
عبر قوات عسكرية مباشرة، أمر لا بد ان
تتمسك به سوريا بقوة عبر اثبات قدرتها على
رعاية الاستقرار الداخلي في مقابل معادلة
تسمح لها في المقابل بعدم خسارة الدول
العربية ورعايتها من جهة وعدم خسارة الدول
الاوروبية والابواب المفتوحة جزئياً مع
الولايات المتحدة الاميركية في موازاة
توفير الحماية لـ"حزب الله" بما يعني ذلك
من استمرار المحافظة على سلاحه. وهذه
الحماية هي جزء من مصلحة سوريا
الاستراتيجية في علاقتها مع ايران في حين
تفيد المعطيات نفسها ان هذا هو التطابق
الوحيد القائم راهناً مع طهران باعتبار ان
ثمة تناقضات قوية بين الجانبين حول الوضع
في العراق وسبل استتباب الاستقرار فيه في
موازاة سعي دمشق الى اقتطاع دور لها في
العراق الى جانب الادوار العربية الاخرى
ودور ايران وتركيا والولايات المتحدة.
ووفقاً للمعطيات نفسها، فإن الامر ليس
سهلاً بالنسبة الى "حزب الله" الذي يعبر
عن قلق ظاهري كبير من القرار الظني
للمحكمة في حين ان كلام السيد حسن نصرالله
في المناسبات المتعددة الاخيرة تركت مجالاً
للاعتقاد بوجود قلق أكبر من هذا التحول
الذي يطاول وضعه الداخلي. والكلام السياسي
على علاقة جديدة بين الرئيس السوري بشار
الاسد ورئيس الحكومة سعد الحريري هو تعبير
ديبلوماسي عن غياب سوريا في تغطية واقع
ساد خلال الاعوام الخمسة الماضية والدفع
في اتجاهه نحو واقع آخر مع متغيرات طالت
خطابات السيد نصرالله مرة بعد مرة. وهذه
المتغيرات قد لا تبدل جوهر الموقف السوري
الرافض كما الحزب للمحكمة في اغتيال
الرئيس الحريري، الا ان اعتبار المحكمة
اسرائيلية لم يتكرر على لسان الامين العام
للحزب ولا كذلك التهديدات المبطنة حول
عمالة الافرقاء السياسيين الآخرين في حين
تفيد المعطيات المتوافرة ان الهامش لم يعد
هو نفسه مع اختلاف الظروف الاقليمية. فلا
خريطة كبيرة متوقعة في الجنوب عبر حرب مع
اسرائيل راهناً أو ما يمكن ان يتناول
القوة الدولية العاملة في الجنوب، كما ضاق
هامش تكرار تجربة 7 أيار التي سارع حلفاء
الحزب الى التلويح بها بعد الموقف الاول
للأمين العام للحزب وكذلك ضاق هامش انقلاب
حكومي وتكرار ما حصل سابقاً لسبب جوهري
يكمن في الحماية الموجودة للحزب من داخل
النظام والحكومة. وقد لفت المصادر
السياسية المراقبة قول نائب الامين العام
للحزب الشيخ نعيم قاسم قبل يومين "ان من
يرفض معادلة الجيش والشعب والمقاومة هو ضد
الدولة وبيانها الوزاري" باعتباره دلالة
على انخراط الحزب في الحكومة واستمراره
فيها في وقت اثار مبادرة الجيش الى
الاشتباك مع اسرائيل كلاماً حول بدء العمل
باستراتيجية دفاعية كأمر واقع للجيش
اللبناني فيها الصدارة. علماً ان هذا
الكلام يؤدي الى تساؤل مقابل بحسب المصادر
نفسها عما اذا كان رفض المحكمة واعتبارها
اسرائيلية ليس ضد الدولة وبيانها الوزاري
ايضاً.
وتقول مصادر متصلة بـ"حزب الله" انه ليس
واضحاً ما اذا كان رد فعل الحزب هو على
قرار ظني يفترض ان يصدر عن المحكمة ذات
الطابع الدولي او على هذا القرار المفترض
وما هو أبعد منه، إذ ان تحالفاته الداخلية
معرضة للخطر بدورها، ولو ان الامر لن يظهر
الى العلن بقوة أو بخاصة، في ضوء الاشتباه
بالقيادي في "التيار الوطني الحر" العميد
فايز كرم بالتعامل مع اسرائيل علماً ان
التيار يربطه بالحزب تحالف اساسي قوي
استند اليه الحزب في محاولته الامساك
بالوضع الداخلي في لبنان خلال الاعوام
القليلة الماضية: فهذا المؤشر الى
المؤشرات الاخرى تزيد هواجس الحزب ومخاوفه
ولو اعتمد اسلوب الهجوم على صعد عدة دفاعاً
عن موقعه. وهناك اسئلة عميقة ارتسمت في
ضوء توقيف العميد كرم والتحقيق معه لكن من
دون أجوبة واضحة شأنها شأن المرحلة
القريبة المقبلة. |