أبدى وزير الصناعة خلال
اجتماعه مع اتحاد غرف الصناعة استغرابه من
الصناعيين دائمي الشكوى من ارتفاع تكاليف
الإنتاج في شركاتهم ومصانعهم، في الوقت
الذي تكون فيه منخفضة في دول الجوار مثل
تركيا والأردن. وطالبهم بضبط تكاليف
الإنتاج وتخفيض نسب الهدر في مدخلات
الطاقة والإنتاج ومخرجاته.
أما بالنسبة لمطالبات الصناعيين بإجراءات
حماية ضد الإغراق قال الوزير: لقد تم
تحرير التجارة بالكامل ويمكن لأي مستورد
استيراد ما يشاء وما عليكم سوى المنافسة
لأنها السبيل الوحيد لبقائكم في الميدان.
الوقائع بعد سنوات من تحرير التبادل
التجاري تقول إن صعوبات كبيرة وتحديات
أكبر وضعت أمام القطاع الخاص من خلال
إغراق الأسواق والمنافسة الحاسمة في كافة
القطاعات، وقد أدت هذه المنافسة إلى إغلاق
آلاف الورش والشركات وتسريح آلاف العمال،
الأمر الذي فاقم من مشكلة البطالة، وزاد
من ارتفاع التكلفة تحرير أسعار النفط
وحوامل الطاقة الأخرى.
التطور السيء
انتقل الجزء الأكبر من القطاع الخاص
المنتج إلى التجارة والسمسرة، وجزء آخر
استطاع بطرقه التحايل والتهرب من الضرائب
أو الحصول على إعفاء ضريبي، وللعلم أن
سورية تعتبر من الدول ذات التحصيل الضريبي
المنخفض، وبالعودة إلى الإيرادات العامة
يتبين الاعتماد الكبير على إيرادات
الملكية العامة والقطاع العام، وتوضح
الأرقام ضآلة التحصيل الضريبي بالنسبة
للموازنة العامة للدولة، وقد أصبح التهرب
الضريبي سلوكاً عاماً، وتتعاطى وزارة
المالية مع ملف التهرب الضريبي بتكتم شديد
وتحاول عدم طرحه علناً.
الزراعة أيضاً
إذا كانت الصناعة في القطاع الخاص تواجه
تحدياً ومنافسةً كبيرين فإن الزراعة
ضُرِبت في الصميم من خلال تحرير أسعار
المازوت وحوامل الطاقة وتحرير أسعار
الأسمدة، حيث قفزت أسعارها خمسة أضعاف
وانعكس ذلك سلباً على الإنتاج، ورغم هذا
الانعكاس فإن التصريحات الحكومية تقول: «الهدف
الرئيسي لرفع الدعم كان حمايةً للمزارع».
وهنا نسأل: كيف تكون حماية المُزارِع؟
الاتحاد الأوربي يدعم الزراعة سنوياً
بأكثر من ثلاثمائة مليار دولار، وهولندا
تدعم كل مزارع لديه بقرة بـ3 دولارات
يومياً. وإن رفع الدعم في سورية أدى إلى
ارتفاع أسعار السلع الزراعية 200% وأكثر،
ونعود فنسأل: كيف ينافس المزارع أسعار
السلع المستوردة في السوق؟!
الخاسر الأكبر
القطاع العام دفع الثمن الأكبر، ولا يزال
يدفع. النائب الاقتصادي يقول: «لم يعد
مقبولاً الهدر في الإنفاق العام». وهنا
نسأل النائب الاقتصادي: لماذا لا تشرح لنا
أين هذا الهدر؟ إلى جيوب من تذهب
المليارات؟
وما هي أوجه الفساد؟ وكيف تتم الصفقات
والمناقصات؟
طبعاً الأجوبة معروفة في معزوفة تتكرر منذ
سنوات وتتلخص برأي الطاقم الحكومي بما يلي:
ارتفاع تكاليف المنتج النهائي ناتجة عن:
عمالة زائدة في الشركات وبطالة مقنعة
ناتجة عن سوء توزيع اليد العاملة، نقص
الخبرات العلمية ووجود نسبة من العمال
كبار السن وغير المتعلمين والعمال المرضى،
وندرة في اليد العاملة الخبيرة.
العمالة الضائعة
يستمر الطاقم الحكومي في تضخيم أرقام فائض
العمالة وتحمليها المسؤولية، والواقع يقول
إنه لا توجد عمالة فائضة ولكن توجد عمالة
ضائعة ومضيَّعة لأسباب منها يعود إلى
إدارة المؤسسة، ومنها يعود إلى التدخلات
الخارجية في عمل المؤسسات، ونذكر على سبيل
المثال في قطاع الغزل والنسيج أن هناك
أكثر من 800 عامل مفرزين إلى جهات عديدة،
وتقول أيضاً إن ثمن أصغر قطعة تبديلية في
شركة الأسمدة أو الإطارات أو الغزل
مستوردة من الخارج يعادل ثمنها مجموع
رواتب العامل لـ50 عاماً.
وهناك وقائع أخرى غائبة عن الجهات
الوصائية منها مثلاً: تكلفة صيانة آليات
الخدمة في شركة صناعية خلال عام كانت 63
مليون ل.س بينما مجموع متوسط رواتب عمال
هذه الشركة الشهري 15 مليون ل.س. وحول نقص
الخبرات العلمية نتساءل: هل العامل هو
المسؤول عن نقص خبراته؟ أين هي وزارة
الصناعة؟ أين هي المؤسسة النوعية؟ هل قامت
الجهات الوصائية بتحديد عدد ومؤهلات
العمالة في كل قطاع من قطاعاتها؟ نعم، على
الورق تُعَد الخطط والبرامج للتدريب
والتأهيل في كل شركة ومؤسسة، وتصرف
المبالغ الكبيرة عليها. ولكن الغاية منها
لم تتحقق في كافة الشركات لأسباب معروفة.
فهل قامت وزارة الصناعة أو أية جهة حكومية
أخرى بدراسة أسباب عدم تحقيق الغاية من
تنفيذ خطط التدريب والتأهيل؟ هل قامت
الجهات الوصائية بوضع خطة تحدد فيها زمان
ومكان وعدد ونوع المعدات والتجهيزات
المتاحة المطلوبة للتدريب ولكل نوع من
الفعاليات في الشركة التابعة؟ هل درست
الجهات الوصائية الواقع الإداري، نسأل ذلك
لأن كافة الجهات الوصائية تتحدث عن القصور
الإداري والفساد في الإدارات، فهل درست
الواقع الإداري ووضعت الأسس المبدئية
للاعتماد عليها في اختيار الإدارة؟ هل
درست الجهات الوصائية المعايير لتقويم عمل
الإدارات في نهاية كل عام؟
لم يُدرَس كل ذلك، ولم تتم مساءلة
المدراء، ولكن يتم الحديث بشكل دائم عن
الفساد والقصور الإداري.
الهدر الصغير:
أين يتم الهدر وإلى جيوب من تذهب
المليارات؟ لن تتحدث في المسائل الصغيرة
كالإنفاق على السيارات الحكومية والمهمات
والمحروقات والإصلاح رغم أن هذه مشكلة،
ولكنها صغيرة أمام الصفقات الأكبر، ورغم
ذلك نستطيع تخفيض النفقات ومن ثم زيادة
الإنتاج من خلال:
ـ الحد من الهدر عن طريق حساب الكمية
المصروفة فعلياً وحساب الكمية المأخوذ
ثمنها بموجب الكشوف.
ـ تقليل النفقات الإدارية باستعمال فقط
السيارات اللازمة والضرورية للإنتاج
ومساعدة الإنتاج، وتقليل هدر الورق
واستخدام المكاتب والفرش واستهلاكاتها.
وللعلم فإن شركة الأسمدة تحتاج شهرياً إلى
مليون و180 ألف ل.س ثمن دفاتر وقرطاسية.
ـ زيادة الأرباح العقدية عن طريق كسر
الأسعار ومحاولة زيادة بعض البنود العقدية
الرابحة والتقليل من البنود العقدية
الخاسرة.
ـ تقليل صرف الآليات المساعدة والتدقيق في
عمل الآليات وتخفيض أسعار الشراء، والشراء
بموجب مناقصات.
ـ الحد من عدم انتظام الدوام.
ـ تقليل الآليات الخدمية في الشركات حيث
تتجاوز في الشركة الواحدة 60 آلية مع
أشخاص لخدمة فردية.
ـ إصلاح الآليات الخدمية أكبر من الآليات
المنتجة الإصلاح خارج المرآب بكلفة أكبر
لأسباب معروفة.
ـ وجود عقود التزام ثانوية بالإمكان
الاستغناء عنها.
القضايا الكبرى
بدأت المشكلات باستيراد تكنولوجيا متخلفة
ومنسقة في بلد المنشأ، وقد رُفِعت مئات
الدعاوى القضائية ضد الشركات الأجنبية
الصانعة وخسرت سورية أكثرها، وقد تم
استيراد هذه التكنولوجيا بصفقات سمسرة
ومحاصصة بين مدراء ووزارة ومتنفذين ولم
تتم مساءلة أحد، وكانت النتائج هدر
ومصاريف إصلاح واستيراد قطع تبديلية
واستمرار مسلسل الاستيراد والسمسرة لقطع
تبديلية بمواصفات مخالفة أيضاً ما ألحق
خسائر في الاقتصاد الوطني تزيد على مليار
ل.س سنوياً في شركة واحدة وهي شركة
الأسمدة، توزعت بين فَوات إنتاج وهدر مواد
أولية وتلف معدات، وهذا الرقم من واقع
ميزانية الشركة، إضافة إلى الخسائر غير
المباشرة في هدر الموارد البشرية والأضرار
الفنية.
كان مدراء الشركات الإنشائية ولا يزالون
يقاتلون للحصول على مشاريع من الدولة
بالتراضي وصدر أكثر من قرار وتعميم عن
وزراء بمنح الشركات الإنشائية نسبة 30% من
المشاريع الحكومية بالتراضي، ولكن هذه
المشاريع كانت تسلم إلى القطاع الخاص
والمقاولين مع تسليم المتعهد الآليات
والعمل لقاء حصص مع المدراء تبلغ أحياناً
30 ـ 40%، اغتنى مدراء الشركات الإنشائية
ووقعت هذه الشركات في خسارات بمئات
الملايين سنوياً.
وللعلم هناك متعهد واحد يحتكر لعشرات
السنوات توريد مادة واحدة إلى شركة في
القطاع العام. وتفيد التقارير أن هذا
المتعهد ساهم بخسارة الشركة التي بلغت
مئات الملايين، متعهد واحد يحتكر منذ
سنوات توريد مليون كيس إلى شركة كبيرة،
سعر الكيس في السوق 3 ل.س ويباع للشركة
بـ30 ل.س. كل ذلك على علم أجهزة الرقابة
والتفتيش التي ترفع تقاريرها، ولكن تبقى
هذه التقارير في الإدراج.
صدق النائب فعلاً، لم يعد مقبولاً الهدر
في الإنفاق العام... |