نعم حل
الصيف وبدأت رحلة المعاناة الكبرى.. وأنا
لا أقصد هنا معاناة الحر والعطش فذلك
مقدور عليه.. إنما أقصد معاناة آلاف
العوائل من السوريين من زوجات وأبناء
المنفيين القسريين منذ ما يزيد على ثلاثين
سنة.. هؤلاء الذين سينزلون إلى الوطن
للقاء أحبتهم ومعانقة تراب وطنهم، والذين
سيخضعون للضغوط النفسية والمعاملة الخشنة
من لحظة وضع أقدامهم على الأراضي السورية
سواء من البوابات البرية أو البحرية أو
الجوية.
فأول ما سيستقبلهم رجل الأمن الذي يطيل
النظر في وجوههم والتحديق في وثائقهم
بأسلوب إرهابي مخيف، فكل هؤلاء الأبناء
والنساء هم متهمون مسبقون بانتمائهم لصفوف
المعارضة، وبالتالي معاداة الحزب الحاكم
الذي لا يحتمل أي معارض لشأنه وذاته حتى
ولو كان رضيعاً أو عجوزاً أو حتى قعيداً
أو مهووساً أو عليلاً.. والشواهد أكثر من
أن يأتي عليها المرء!!
هذا الاستقبال المرعب لهؤلاء العوائل
يُقصد منه إخافتهم وإرهابهم ليمتنعوا من
النزول إلى الوطن الذي فيه أحبتهم
وعشيرتهم ومراتع صبا آبائهم وأمهاتهم
وأعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم
وأقربائهم ممن يعرفون ولا يعرفون.
وبعد الخضوع لعملية تحقيق سريعة أو طويلة
بحسب مزاج رجل الأمن دون الأخذ بالاعتبار
معاناة السفر في هذا الجو الحار، ودون
النظر لما تحمله وسيلة النقل من ركاب
عاديين سواء كانوا مواطنين سوريين أو غير
سوريين تشاهد على وجوههم إشارات الاستفسار
والتعجب من هذا الذي يجري لهؤلاء النساء
والأطفال دون أن يجدوا أي إجابة لأسئلتهم
واستفساراتهم من هؤلاء النسوة أو هؤلاء
الأطفال وقد يتجرأ البعض ويقول نحن زوجات
معارضين سوريين منفيين.. نحن أبناء
معارضين سوريين منفيين!!
وليت الأمر يتوقف عند هذا التحقيق الذي
يجريه رجل الأمن في منافذ الحدود مع كل
امرأة وطفل، فرحلة العذاب الأمرّ تبدأ بعد
أن ينهي رجل الأمن على الحدود تحقيقه مع
هؤلاء النسوة وهؤلاء الأطفال ويسلم كل
واحد منهم ورقة مراجعة أجهزة الأمن
المتعددة بدءاً من العاصمة دمشق وحتى بلد
مسقط الرأس أو الإقامة لهذه المرأة وهذا
الطفل!!
ولا تكاد هؤلاء العوائل والأطفال تلامس
أقدامهم أرض الوطن وتلتقي عيونهم بعيون
أحبتهم وأهلهم وعشيرتهم وأقربائهم حتى
تبدأ دواخة الرحلات القهرية بين الأجهزة
الأمنية المتعددة التي أمروا على الحدود
بمراجعتها من دمشق حتى الحسكة مروراً بدير
الزور وحماة وإدلب وحمص واللاذقية
والسويداء ودرعا.. والخضوع لأسئلة رجال
الأمن فيها لساعات وساعات وقد تمتد لأيام
وهي أسئلة روتينية تعودوا عليها منذ سنين
طويلة: أين يسكن زوجك فلان؟ أين يعمل زوجك
فلان؟ مع من يلتقي زوجك فلان؟
وبعد كل هذه الإجراءات التي لا تمت إلى أي
عرف إنساني أو أخلاقي أو قانوني يقال
لهؤلاء النسوة – بعد رحلة المعاناة هذه –
قبل سفركم بأسبوع راجعونا حتى نعطيكم ورقة
السماح بالسفر!!
أهل الحكم في دمشق هل ترضون أن تتعرض
عوائلكم لمثل ما تتعرض له عوائلنا
وأبنائنا من ترهيب وإخافة وترويع ومعاناة
وتكاليف سفر وتنقلات لا يرغبون بها ولا
يريدونها.. وكل ذنبهم أنهم متعلقون بوطنهم
ومتمسكون بأواصر القربى مع أهلهم وعشيرتهم
وأبناء وطنهم؟!
قدرنا نحن أننا منفيون قسريون لأننا
معارضون.. والوطن في قاموس حزب البعث
الشمولي الاستبدادي الحاكم لا يتسع إلا
لون واحد وفكر واحد وطيف واحد وتوجه
واحد.. وإقصاء وإبعاد الآخر وتسفيه رأيه
ومنعه من ممارسة حقه الذي كفله له الدستور
السوري وكافة الشرائع السماوية والوضعية
والإنسانية!!
قدرنا أننا منفيون قسريون فما ذنب نسائنا
وأطفالنا وأقربائنا أن يدفعوا الثمن الذي
لا ناقة لهم فيه ولا جمل؟!
سؤال نطرحه على أهل الحكم والقرار في دمشق
علَّ ما تتعرض له البلاد من هجمة عدوانية
صهيونية إمبريالية غاشمة تستهدف الوطن
وجميع ما عليه من حكام ومحكومين ومعارضة
وموالين أن تكون شفيعة لعوائلنا وأطفالنا
من تسهيل أمر نزولهم وعودتهم دون المرور
بكل هذه المحطات المرعبة والمخيفة كما ككل
الناس الذين خلقهم الله ليكونوا أحراراً
تصان إنسانيتهم وتحترم كباقي خلق الله من
البشر!! |